محفوظ المدير العام
البلد : عدد المساهمات : 280 نقاط : 802 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/08/2010
| موضوع: يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة الأربعاء ديسمبر 08, 2010 11:14 am | |
| يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة إنمن المواقف العصيبة والرهيبة التي ستقف فيها الخليقة جمعاء الأولونوالآخرون في مكان واحد، ذلك اليوم الشديد الذي يقوم فيه الناس لربالعالمين. بعدذلك الموقف سيصير الإنسان إما إلى جنة وإما إلى نار؛ لذا كان على العاقلاللبيب أن يعد لذلك اليوم عدته، وأن يعمل من الصالحات ما يكون شفيعاً لهيوم القيامة، وإن مما يقرب الإنسان إلى الجنة ويبعده عن النار: الإيمانبالله وبكل ما أخبر، وكذلك إتباع رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-،والقيام بالأعمال الصالحة المقربة إلى الله والموصلة إلى جنته، ومن هذهالأعمال: بذل المال في وجوه البر، سواء كان بذله واجباً أو مندوباً؛ وفيهذا السياق يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْيَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌوَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ سورة البقرة(254). شرح الآية: ابتدأ الله هذه الآية بتوجيه الخطاب والنداء إلى من وصف بالإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا؛ يقول ابن مسعود: "إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ فأصغ لها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه"[sup]1[/sup]، وتوجيه الخطاب بهذا الوصف يدل على أهمية المطلوب؛ وفي هذه الآية قد أمر الله عباده المؤمنين بعد أن ناداهم بوصف الإيمان بقوله: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ؛ فمن كان مؤمناً فإن من مقتضيات إيمانه أن يفعل المأمور، ويجتنب المحذور، وقد أمر هنا بالإنفاق في سبيله: أنفقوا مما رزقناكم الإنفاق بمعنى البذل؛ والمراد به هنا بذل المال في طاعة الله سواء كان بذله في الزكاة الواجبة أو بذله في النفقة المستحبة؛ ومما رزقناكم أي مما أعطيناكم. ثم قال تعالى: مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ المراد به يوم القيامة؛ وقد ذكر الله من أوصاف ذلك أنه يوم: لاَّ بَيْعٌ فِيهِ أي لا يباع أحد من نفسه، ولا يفادى بمال لو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا؛ كما قال تعالى: وَلَوْأَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُلَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَالَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ سورة الزمر(47)، وفي ذلك اليوم تنقطع الصحبة والخلة، والخلة أعلى درجات المحبة؛ كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "والخلة هي كمال المحبة، وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة"2،في ذلك اليوم لا ينفع الخليل خليله، ولا الصديق صديقه؛ بل إن الصداقةتنقلب إلى عداوة إذا كانت لغير الله وعلى وفق ما أراد الله؛ كما قالتعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ سورة الزخرف(67) أما من كانت الخلة بينهم لله وفي الله فإنها تستمر وتدوم وتنفع كما في الآية، وكما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء)، قيل: من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم؟ قال: (هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب؛ وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)، ثم قرأ: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ3 سورة يونس(62). وفي ذلك اليوم العصيب لا يستطيع أن يشفع أحد لأحد، ولا أن ينفع أحد أحداً إلا بإذن الله؛ لقوله: وَلاَ شَفَاعَةٌ، و"الشفاعة" تعني الوساطة في دفع الضرر، أو جلب المنفعة؛ قال تعالى: فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَسورة المدثر(48)؛ فالشفاعة منتفية وغير مفيدة في حق كل من مات مشركاًبالله رب العالمين، وأما من مات موحداً وإن كان عاصياً فإن الشفاعة تنفعهوتثبت في حقه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "نفى الله عماسواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكونعونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب؛كما قال: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىسورة الأنبياء(28)، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يومالقيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم: أنه يأتيفيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقليسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. وقال أبو هريرة: "من أسعد الناس بشفاعتك؟"قال: (من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه)؛فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقتهأن الله –سبحانه- هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء منأذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآنما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي -صلىالله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص"4. وقد جاءت نصوص أخرى تدل على ما دلت عليه هذه الآية من معنى، فمن ذلك قوله تعالى: قُللِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَيَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ سورة إبراهيم(31)؛ قال الشنقيطي: "أمرتعالى في هذه الآية الكريمة بالمبادرة إلى الطاعات كالصلوات والصدقات منقبل إتيان يوم القيامة الذي هو اليوم الذي لا بيع فيه ولا مخالة بينخليلين فينتفع أحدهما بخلة الآخر فلا يمكن أحداً أن تباع له نفسه فيفديهاولا خليل ينفع خليله يومئذ"، وقد بين الله هذا المعنى في آيات كثيرة منكتابه؛؛ فمن ذلك قوله: فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْسورة الحديد(15)، وقوله: واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاًسورة البقرة(123)، ونحو ذلك من الآيات. ثم ختمت هذه الآية بقوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ أي أن الكافرين بالله هم الظالمون الذين ظلموا أنفسهم، وحصر الظلم فيهم لعظم ظلمهم؛ كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ سورة لقمان(13)؛وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أعظم الظلم أن تجعل لله نداً وهوخلقك؛ كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود قال: سألت النبي-صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: (وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك)، وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال: "الحمد لله الذي قال: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ، ولم يقل: "والظالمون هم الكافرون". بعض فوائد الآية: 1. فضيلة الإنفاق مما أعطانا الله؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ حيث صدرها بالنداء. 2. أنالإنفاق من مقتضى الإيمان، وأن البخل نقص في الإيمان؛ ولهذا لا يكونالمؤمن بخيلاً؛ المؤمن جواد بعلمه؛ جواد بجاهه؛ جواد بماله؛ جواد ببدنه. 3. التنبيه على أن الإنسان لا يحصل الرزق بمجرد كسبه؛ الكسب سبب؛ لكن المسبِّب هو الله -عز وجل-؛ لقوله تعالى: مِمَّا رَزَقْنَاكُم؛ فلا ينبغي أن يعجب الإنسان بنفسه حتى يجعل ما اكتسبه من رزق من كسبه، وعمله؛ كما في قول القائل: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي سورة القصص(78). 4. الإشارة إلى أنه لا منة للعبد على الله مما أنفقه في سبيله؛ لأن ما أنفقه من رزق الله له. 5. أنذلك اليوم ليس فيه إمكان أن يصل إلى مطلوبه بأي سبب من أسباب الوصول إلىالمطلوب في الدنيا، كالبيع، والصداقة، والشفاعة؛ وإنما يصل إلى مطلوبهبطاعة الله. 6. أن الكافرين لا تنفعهم الشفاعة؛ لأنه تعالى أعقب قوله: وَلاَ شَفَاعَةٌ بقوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ ويؤيد ذلك قوله تعالى: فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَسورة المدثر(48)، وقد سبق في شرح الآية بيان الشفاعة المثبتة والمنفية. 7. أن الكفر أعظم الظلم؛ كما دلت عليه الآية وكما دل عليه قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. 8. أن الإنسان لا ينتفع بماله بعد موته؛ لقوله تعالى: أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ؛ لكن هذا مقيد بما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية؛ أو علم ينتفع به؛ أو ولد صالح يدعو له)5، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 1 زاد المعاد(1/323).
2 جلاء الأفهام، صـ(274). الناشر: دار العروبة – الكويت. ط (2)، (1407هـ).
3 رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(3023).
4 مجموع الفتاوى(7/77- 78).
5للمزيد يراجع: تفسير القرآن العظيم(1/408) لابن كثير. وأضواءالبيان(2/366). وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صـ(110)،وتفسير ابن عثيمين، المجلد الثالث.
| |
|